تعتبر محاولة اغتيال ملك مُتوَّج أو رئيس دولة مسألة مروعة نوعًا ما، لكنها لم تعد كما كانت من قبل. فقد دخلت محاولات الاغتيال نطاق التفكير العام لوجود جميع رؤساء الدول … لنأخذ مثلًا فكرة الهجوم على كنيسة. بينما سيعتبر الهجوم مريعًا بشدة للوهلة الأولى قطعًا، فلن يكون الهجوم على درجة من الفعالية كما قد يظن الشخص العادي. ومهما كان قدر ثورية وفوضوية الهجوم عند تنفيذه،
فسيوجد ما يكفي من الحمقى الذين سيسبغون على هذا الهجوم صبغة دينية؛ وهو ما قد يقلل من شأن الأهمية التحذيرية التي نرغب في أن نضفيها على هذا الفعل … لا يمكن الاعتماد على مشاعر الشفقة أو الخوف طويلًا. ولكي يكون لأي هجوم بالقنابل تأثير من أي نوع على الرأي العام، يجب أن يتخطى نية الانتقام أو الإرهاب إلى نية تدميرية بحتة.
جوزيف كونراد، «العميل السري» (١٩٠٧)
يقض الإرهاب مضاجع الناس، ويفعل ذلك عمدًا؛ فهذا هو الهدف منه، ولهذا السبب شغل جانبًا كبيرًا من اهتمامنا في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين. فبينما يتخذ الشعور بعدم الأمان صورًا كثيرة، فلا شيء آخر يتلاعب بشعورنا بالخطر أكثر من الإرهاب. بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وجدنا أنفسنا في حالة طوارئ تبدو لانهائية ودائمة، «حرب ضد الإرهاب»، تتساوي تداعياتها في صعوبة تفسيرها مع الإرهاب نفسه. فليس من السهل مطلقًا فهم الإرهاب، لا سيما في أعقاب هجوم إرهابي. عندما يشعر المجتمع بالتهديد، عادة ما تُقاوَم محاولات التحليل العقلاني علانية باعتبارها تساعد العدو وتواسيه، بل وتتعاطف معه. غير أنه بدون هذا التحليل، تبدو مقاومة الإرهاب نضالًا محيرًا ضد خطر غير محدد. وعلى الرغم من أن الإرهاب قد يبدو عقلانيًّا في بعض الأحيان، فإنه كثيرًا ما يبدو وكأنه ينحرف عن جادة «التفكير المنطقي» بحيث يصبح ليس فقط غير مبرر، بل وعدوانيًّا، أو جنونيًّا، أو «بلا عقل».
ثمة شيء ما في الإرهاب يضخِّم من خطره — مثل الجن — بدرجة أكبر بكثير من حجمه الحقيقي. فصور الإرهاب — في الرسوم الكرتونية في الصحف أو على أغلفة سيل الكتب التي تتناول هذا الموضوع والتي نُشرت على مدار الجيل الأخير — عادة توجه أسلحة ضخمة ضد أهداف متضائلة. قبل الحادي عشر من سبتمبر على الأقل، أقر معظم الكتاب الذين يكتبون حول الإرهاب أن التهديد المادي الذي شكله الإرهاب تضاءل أمام غيره من الكثير من المخاطر اليومية الشائعة. لكن حتى آنذاك، أبدى عامة الشعب أو ممثلوهم السياسيون، ميلًا محدودًا تجاه التقليل من خطر الإرهاب أو التعاطي معه على نحو موضوعي. وهرع السياسيون — مدفوعين في كثير من الأحيان بوسائل إعلام تضخم الخطر العام — للاستجابة إلى المطالبات الضمنية أو الصريحة باتخاذ إجراءات وقائية. ولكن، عادة ما كانت هذه الإجراءات غير متسقة وعرضية. أما هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فقد استدعت أكثر من ذلك.
قفز الإرهاب إلى قمة أولويات الأجندة السياسية، ومذاك فصاعدًا كان من الصعب الدفع بأن الضرر الذي قد يتسبب فيه ضئيل نسبي، أو حتى بأن تأثيره النفسي مبالغ فيه بصورة لا تتناسب مع تأثيره المادي، وهو نقاش مألوف أيضًا. لقد شهدت مدينة نيويورك ضررًا بدا كما لو كان جراء غارة جوية أثناء الحرب. ورغم أن قائمة الخسائر البشرية انخفضت بصورة رحيمة مما يقدر بنحو ٥٠ ألف شخص إلى أقل من ٤ آلاف شخص، فإن مشاهد الدمار الشامل — التي كانت فيما سبق مقصورة على نوع من الأسلحة التي لا تمتلكها سوى حفنة من القوى الكبرى فقط — كانت واضحة. وقد كان ذلك الهجوم أكثر فتكًا — من حيث عدد الوفيات في يوم واحد — من أكثر المعارك دموية أثناء الحرب الأهلية الأمريكية. لكن بخلاف الوضع في الحرب، كان الدمار — مع كونه هائلًا — وحيدًا؛ فلم تظهر أي جيوش غازية. فإن كانت تلك حرب، فإنها إذن حرب أبعد ما تكون عن الأعراف المألوفة — والمطمئنة غالبًا — للحرب التقليدية. فمع سكون الغبار — حرفيًّا ومجازيًّا — في موقع الحدث، ظلت معظم الأسئلة التي شكلت دومًا لغز الإرهاب باقية. بل إن المدى غير المحدود «للحرب ضد الإرهاب» التي شنها الرئيس بوش، أكدت بشدة أكثر من أي وقت مضى على الحاجة إلى تعريف ما — أو تقسيم ما — لهذا المصطلح المراوغ.