ما هي الفلسفة . جيل دولوز و فليكس غتّاري
ما هي الفلسفة
جيل دولوز - فليكس غتّاري
مركز الإنماء القومي - بيروت 1997 | 225 صفحة | 5.46 م . ب
كتاب مختصر بالتعريف بماهية الفلسفة، لغة واضحة وشرح الأفكار بأسلوب ممتاز وتسلسل تاريخي للفلسفة. بني الكتاب على علاقة الفلسفة بالعلم من جهة والدين من جهة اخرى، ثم تطرق الى أهم موضوعات الفلسفة؛ المعرفة، مصادرها وطبيعتها.
إنه مدخل مبسّط إلى الفلسفة يتوخّى التسلسل التاريخي في عرض مشكلاتها، ويعرض للتقاطعات الرئيسيّة بين الفلسفة والدين والعلم، ويُفرد فصلًا خاصًا بنظرية المعرفة، غزير المعلومات وسلس الأسلوب.
إن الجدوى من التطرق إلى فلسفة دولوز هو نقد نزعة التمركز الحضاري والتخلي عن العقل الهووي ومرض الوله الذاتي والشروع في خلق تجربة تفلسف مختلفة تنطلق من الثقافة الفلسفية العربية وتطمح إلى مشاركة الجهود الفلسفية الأخرى في بناء الفكر الكسموبوليتي الذي يطمح إلى العيش مع الآخرين ومن أجلهم وفق قيم العدالة بالنسبة للآخر القريب والصداقة بالنسبة للآخر البعيد.
الفلسفة إبداع المفاهيم:
يرفض دولوز أن تكون الفلسفة في تميزها واختلافها عن العلوم والمعارف الأخرى مجرد تأمل contemplation لأن التأمل ليس خاصية تميز الفيلسوف بل يشاركه فيها العامي ورجل العلم والسياسي والفنان بالإضافة إلى أن تجربة التأمل هي تجربة ميتافيزيقية تبعدنا عن الواقع وتجعلنا نهتم بالعموميات ولا تمكننا من إنتاج أشياء جديدة وإنما تسقطنا في وهم الانتصارات اللازمانية على الفلاسفة والحكم على جهودهم بطريقة اختزالية متسرعة وباطلة تأثرا بإرادة الهيمنة وتضليلات المخيلة بينما في الواقع التأملات هي الأشياء نفسها إذا نظرنا إليها في عملية إبداعها لمفاهيمها الخاصة. كما يرفض دولوز أن تكون الفلسفة مجرد تفكير أو انعكاس الفكر على ذاته أو مجرد تفكر reflexionnbsp; لأن بهذه الطريقة سنثير الغبار ونشكو من عدم الرؤية وتضيع أقوالنا ولا تصل إلى مسامع مخاطبينا وراء الجلبة التي نحدثها بأنفسنا ولأن الانسان ليس دائما وأبدا محتاج إلى الرجوع إلى الفلسفة من أجل القيام بعدة أشياء تخص علم الحياة الذي يعيشه، فالموسيقي.
يرفض دولوز أن تكون الفلسفة تواصل communicationونتيجة مشاركة بين الذوات في الفضاء العمومي من أجل صياغة الحقيقة التي تحظى بالإجماع ويبرر ذلك بأن الذي يحرك الجمهور ويؤثر في الحشود ويصنع الرأي العام ليس العقل والمفهوم بل الأهواء والعواطف والمصلحة ولذلك ينفي أن تكون الفلسفة وليدة النقاش بين الناس عبر الموائد المستديرة في الساحات العامة لأن الفلسفة لها مائدتها المستديرة التي تخصها وقد كانت عند الإغريق الأغورا Agora أين نحت مفهوم النوس Nous والصوفيا Sophia واللوغوس Logos والصداقة Philia، زد على ذلك أن النقاش العام هو معركة بين الآراء والظنون كثيرا ما ينتهي إلى التنازع والصراع يحركه مبدأ إرادة القوة وهو نقاش عقيم لا يبدع سوى آراء وليس أفكارا أما الحوار العقلاني على المائدة الفلسفية فهو حوار جاد ميدانه اللغة العقلانية ومقصده هو المفاهيم والمعاني والمفهوم هو هذا الطائر الساخر الذي كان يحلق فوق حقل معركة الآراء التي يمحو بعضها بعضا(كحال الضيوف السكارى في المأدبة. أي أن الفلسفة لا تتأمل ولا تتفكر ولا تواصل،حتى وان كان عليها إبداع المفاهيم لهذا الأفعال والانفعالات.
كما يرفض دولوز تحديدات الفلسفة على أنها وليدة الدهشة وتعلم التفكير وممارسة الشك ويقظة داخلية بمعرفة الذات بواسطة الذات ويتخلى عن التصور الذي يرى أنها أم العلوم أو معرفة بواسطة المفاهيم الخالصة تبعها العلوم في مختلف اختصاصاتها ويرى أن هذه التحديدات ليست مفيدة سوى من وجهة النظر التربوية ولكنها مع مرور الوقت تتحول إلى عائق يمنع الفلسفة من التطور والنمو وتحول دون الانخراط في تجربة التفلسف النقدي الحر ولذلك يتجنب دولوز النظر إلى الفلسفة من زاوية الربح والخسارة والأذية والمنفعة ويتفادى الرد على حفاري قبورها ويتفادى التصريح بموقف بخصوص موت الفلسفة ونهاية الميتافيزيقا ويتبنى على خلاف خيار الفلسفة للفلسفة أي كمعرفة من أجل المعرفة وليس من أجل المصلحة وميدان إلى جانب الميادين الأخرى وليس كمرجع لها وكملكة على بقية الأنماط والمعارف. يصرح دولوز في هذا الصدد أليس عظمة الفلسفة قد تكون بالضبط في عدم صلاحيتها لأي شيء؟
ننتهي إذن أن الفلسفة ;ليست تأملا ولا تفكيرا ولا تواصلا حتى وان كان لها أن تعتقد تارة أنها هذا وتارة أنها ذاك نظرا لما لكل ميدان من القدرة على توليد أوهامه الذاتية والتستر وراء ضباب يرسله خصيصا لذلك. هذا ما لا يمكن أن تكونه الفلسفة، فماذا يمكن تكون إذن بطريقة ايجابية مفيدة؟
الفلسفة هي فن تشكيل وإبداع وصنع المفاهيم هذا هو جواب دولوز وهو جواب ليس جديدا بل موجودا في تاريخ الفلسفة وما انفك كل الفلاسفة يقومون به منذ ما قبل السقراطيين والحكماء السبعة وهو لم يقم سوى بنفض الغبار عنه وتسليط الضوء عليه لأن الفلسفة كانت ولا تزال إبداع المفاهيم وكل الفلاسفة اشتغلوا في حقل إبداع المفاهيم ومقدار الجدة والريادة في الفلسفة تقاس بالتغيير الذي يطرأ على المفاهيم، فكل الأنساق الفلسفية تميزت واختلفت باختلاف المعاني المعطاة للمفاهيم الجديدة التي أبدعها أصحابها، فسقراط هذا الذي لم يكتب كما قال دريدا هو الذي أبدع مفهوم المفهوم Concept عندما تساءل عن مفهوم الفضيلة ماهو؟ أفلاطون أبدع مفهوم المثال أو الفكرة في توهجها ووضوحها Ideacute;e . أما أرسطو فقد أبدع مفهوم الجوهر وكانت ميتافيزيقاه برمتها هي أنطولوجيا الجوهر، ديكارت أبدع مفهوم الكوجيتو، اسبينوزا أبدع التعبير والمحايثة ولايبنتز الموناد وكانط النقد وبرجسن الدافع الحيوي ونيتشه القيمة والمعنى وعوض سؤال ماهو وبسؤال من هو وفوكو أبدع السلطة ودولوز نفسه أبدع مفهوم الاختلاف ومسطح المحايثة.
في هذا السياق يعترف فيلسوف السينما أنه استقى هذا التعريف من قول نيتشه: الفلاسفة لا ينبغي أن يرضوا بقبول المفاهيم التي نعطيها لهم وذلك بتنظيفها وتلميعها بل عليهم أن يبدؤوا بصناعتها وخلقها ووضعها وإقناع الناس بها بضرورة العودة إليها.