تاريخ الفلسفة في القرن العشرين . كريستيان دولاكومبان
تاريخ الفلسفة في القرن العشرين
تأليف : كريستيان دولاكومبان
جداول للنشر والتوزيع - بيروت 2015 | 345 صفحة | 7 م . ب
يبدو هذا الكتاب صارماً إلى حدّ كبير، نظراً للتخصّصية التي تنطوي عليها مقاربات المؤلف للموضوعة الفلسفية التي تناولها في كتابه؛ فهو ينفتح على أبرز معالم الفلسفة الحديثة كما تجلّت في القرن العشرين.
إلا أن صرامة هذا الكتاب لا تمنعه من الانفتاح على سياق معرفي رحب، يتجاوز حدود الفلسفة، إلى ما هو إنساني بالدرجة الأولى، والعلاقة الوطيدة بين العقل والموجودات، والوصل بينهما، تحديداً في العالم الغربي.
فاتحة القرن ابتدأت بمذبحة مُروّعة، كذا متنه الأوسط ابتدأ هو الآخر بمذبحة مُروّعة، وهذا لن يمر مرور الكرام في الانطباعات الفلسفية التي خلّفتها تلك الأحداث على ذاك العقل.
قبل ذلك، كان ثمة مخاضات لمولد الحداثة التي ستطبع هي الأخرى القرن الجديد بطابعها الخاص، وتؤثر على مسلكياته الفلسفية، فظهور الحداثة بالنسبة إلى العلماء لا تترجمه الطفرة الجذرية التي مسّت الصورة التي يحملونها عن العالم فقط، بل يترجمه أيضاً السؤال الجدّي الذي طُرح حول أساس العلوم، وكذلك ابتكار فروع معرفية تتمحور حول تحليل التمثيل.
وبالفعل، كان للحداثة تأثير واضح على معالم الحياة في العالم الغربي، فقد انبثقت "ثقافة جديدة" ازدهرت بحسب الكاتب من العام 1880 وحتى العام 1914.
وإذا كان للكاتب أن يفتتح الفصل الأول بعنوان "تقدم المنطق"فللتأشير على الطبيعة الفلسفية التخصصية التي سينطبع بها الكتاب منذ البداية، أما في باب من المنطق إلى الفينومينولوجيا، فإنه سيؤشر بقوة على أطروحة إدموند هوسيرل، وميلاد فرع معرفي جديد على يديه ألا وهو "الفينومينولوجيا".
وبالانتقال من المنطق إلى السياسية، سيهتم كريستيان دولا كومبان بأطروحات برتراند راسل الذي "كان مدافعاً عن السلم بسبب نزعته الكونية، ومشجعاً للأفكار التقدمية ومنشغلاً بالعدالة الاجتماعية.
وفي نفس الفصل سيخصص باباً ويعنونه بـ "انشقاق فتغنشتاين" الذي يعدّه المؤلّف أهم فلاسفة القرن العشرين.
أما الفصل الثاني، فيتحدث فيه عن فلسفات النهاية، بما ينقل الكتاب من مرحلة الصرامة المعرفية إلى مرحلة البحث عن الأفق الإنساني داخل الحقل الفلسفي.
في الحديث عن نهاية أوروبا، سيتحدث عن أبرز الفلسفات التي عنيت بهذا المجال من وجهة نظره، وبما ينسجم مع السياق البحثي لكتابه. وأولاً سيأتي على ذكر كتاب (أفول الغرب) لـ أوسفالد شبنغلر الذي اقترح فيه تأويلاً لانحطاط أوروبا البَيِّن، تأويلاً يقوم على الفلسفة الحيوية الملائمة للتعميمات القابلة أكثر من غريها للمناقشة.
ومن ثم سيأتي على ذكر بعض الأسماء الحافّة بموضوعة نهاية أوروبا، لكنه سيتوقف بصورة لافتة عند كتابي: 1- نجمة الافتداء لـ فرانتس روزينتسفيغ و2- الوجود والزمن لـ مارتن هيدغر.
الأول كتبه صاحبه بناء على تجربة مشاركته في الحرب العالمية ألأولى ومواجهته للرعب والوحشية الإنسانية وجهاً لوجه. أما الثاني على خلاف كتاب نجمة الافتداء، لا يدين بشيء لتجربة الخنادق. ذلك أن هيدغر لم يمضِ في ساحة المعارك سوى شهرين في نهاية الحرب. لكن خلفية الكتابين معاً تتمثل في الهموم نفسها: الحرب، والهزيمة، وانهيار القيم الأوروبية وعجز العالم والتقنية عن الاستجابة لحاجات الشعب الألماني الروحية.
إلا أن الكاتب سيعود في الفصل الثالث من كتابه (التفكير في أوشفيتس) إلى هيدغر ودور الفلسفة اللاإنساني الذي يمكن أن يطال الفيلسوف في مقتنياته المعرفية العليا، لا سيما إذا ما تحالف هذا الفيلسوف مع نظام فاشي لا همّ إلا الإبادة، عين ما حدث مع مارتن هيدغر يوم تحالف مع النظام الفاشي في ألمانيا في الثلاثينيات من القرن العشرين.
وفي الحديث عن نهاية الاضطهاد سيتناول الكاتب، الفلسفات التي أسّست لقيام المنظومة الاشتراكية، لا سيما تلك التي تجسدت في الاتحاد السوفيتي والحلم اليوتوبي الذي حملته للتحقّق في العدل والمساواة وانتهاء عصر الاضطهاد مرة واحدة وإلى الأبد.
وقد عاد الكاتب خطوة إلى الخلف ليستحضر مساهمة كل من كارل ماركس وفردريدك إنجلز، وبعض الأسماء التي أتت بعدهم وساهمت في التأسيس للمنظومة الاشتراكية. ثم سيخصّ لينين –بصفته المؤسّس أو بالأحرى المُطبّق الحقيقي للفكرة الاشتراكية والناقل لها من الإطار الفكري إلى أرض الواقع- بالذكر والتنويه، نظراً للدور الذي لعبه وأسّس فيه لدولة مترامية الأطراف ستبقى محافظة على طابعه الاشتراكي –رغم ما شابها من هِنات قاتلات- من العام 1917 تاريخ قيام الثورة البلشفية وانتهاء حكم القيصرية في روسيا، وحتى العام 1989 تاريخ انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكّك منظومته الجغرافية.