سوسيولوجيا العنف والإرهاب . إبراهيم الحيدري
سوسيولوجيا العنف والإرهاب
تأليف : إبراهيم الحيدري
دار الساقي - بيروت 2015 | 335 صفحة | 7.64 م . ب
هل يولد الإرهابي بالضرورة إرهابياً؟ ولماذا يفجر نفسه وهو منتشٍ من الفرح؟
يبين الحيدري أن التحليل السوسيولوجي والسيكولوجي يجيبنا أن الإرهابي لا يولد بالضرورة إرهابياً، وإنما يصبح كذلك بفعل عوامل بيئية اجتماعية وسياسية ودينية، وهي التي تنتج هذه الظاهرة وتدفع إليها، كما أن فساد الحكومات وقمعها وضعف الوعي السياسي وحملات التحريض الديني التكفيرية ضد الآخر المختلف وغيرها، هي ما ينتج حواضن تقبل الفكر التكفيري.
إضافة إلى فشل الدولة العلمانية من تحقيق وعودها لشعوبها. والسؤال هنا: لماذا لم تستطع البشرية حتى الآن، التغلب على العنف والإرهاب وإشاعة ثقافة التسامح والحوار؟ في الإجابة يحاول الباحث الحيدري، وعلى مدى خمسة فصول، أن يفسر ويحلل أسباب العنف ودوافعه.. أهدافه القريبة والبعيدة، موضحاً أن جوهر العنف يتضمن احتمال شر ما يوقع الأذى بالآخر.
وفي الوقت ذاته فإن هذا العنف يطرح مشكلة أخلاقية، حيث يظهر هنا كونه تطاولاً واعتداء على حقوق الإنسان بصورة لا عقلانية، وأن فعل العنف كما يقول غوته لا سند عقلياً له. ذاك بعيد عن كونه يجد له متنفساً من مقولة ميكافيللي: «الغاية تبرر الوسيلة»، كونها مقولة تحمل في ذاتها عنصراً تعسفياً.
في البحث عن جذور مصطلح الإرهاب، فإن الباحث الحيدري يرى أنه استخدم للمرة الأولى عام 1795.
وأصل الكلمة من اللغة اللاتينية: «تيرير»:( terrere )، وتعني (التخويف). واستعملت الكلمة لوصف أساليب استخدمتها مجموعة اليعاقبة السياسية بعد الثورة الفرنسية. كما تعني أساليب إسكات واعتقال المعارضين لهذه المجموعة السياسية التي نحتْ منحاً يسارياً. وهو ظاهرة جديدة من ابتداع الثورة الفرنسية..
حيث أعلن روبسبير سيادة حكم الإرهاب (الثوري) في فرنسا في الفترة من مارس 1793 إلى يوليو 1794. وقُدر عدد من أُعدموا خلال الأسابيع الستة الأخيرة من عهد الإرهاب ب 1366 مواطناً فرنسياً في باريس وحدها. كما شهدت البشرية لاحقاً أنماطاً كثيرة ومتنوعة من حكم الإرهاب الثوري المشابه لحكم روبسبير وسان جوست في فرنسا.
كما حدث في روسيا إبان حكم ستالين. وفي ألمانيا إبان حكم هتلر وأفريقيا الوسطى إبان حكم بوكاسا، غير أن مصادر الإرهاب متعددة فهناك: الأيديولوجيات الدينية المتطرفة، والأيديولوجيات القومية الشوفينية، والجماعات الفوضوية.. وغيرها.
وقد أخذت ظاهرة الإرهاب الدولي منذ منتصف الستينيات من القرن العشرين، شكلاً ومضموناً جديدين ما كون حداً فاصلاً في تاريخ الإرهاب، ومرحلة تحول جديدة وخطرة في الوقت ذاته لاستخدام الإرهاب كونه أحد أساليب الصراع السياسي..
حيث وصلت العمليات الإرهابية الدولية منذ عام 1970 إلى مئات العمليات راح ضحيتها أكثر من 3500 قتيل تقريباً، نصفهم من الدبلوماسيين. وتوجد أكثر من ستين منظمة إرهابية دولية خطرة في العالم. وأصبح الإرهاب الدولي أكثر انتشاراً منذ عام 1982، وبخاصة في أوروبا والولايات المتحدة وأميركا اللاتينية ودول الشرق الأوسط.
في البحث عن مفهوم العنف كونه أحد وجوه التخويف والإخضاع والترهيب – الإرهاب، فإن المؤلف إبراهيم الحيدري يستعرض آراء فلاسفة وعلماء اجتماع، باعتبار أن العلاقة بين الفلسفة والعنف تعكس بصورة عامة، السؤال الأخلاقي الذي يدور حول الشروط المثلى للوجود الإنساني والعقبات التي تقف أمام تحقيقها وكيفية تربية الإنسان ليرتفع في سلوكه إلى مستوى القانون الخلقي وتحرره من الخضوع للقانون الطبيعي. وبالرغم من أن الفلسفات والأديان والحركات الإنسانية تحاول حل هذه المعضلة المعقدة، إلا أنها تتحول في غالبية الأحيان إلى مصدر للصراعات والحروب.
ويكون عنفها أعتى من العنف الطبيعي الذي حاولت علاجه. فالفلاسفة الإغريق لم يتعرضوا إلى مفهوم العنف بصورة مباشرة، إذ إن غالبية حوارات أفلاطون تدور حول العدالة والمساواة والفضيلة والسعادة والعلم، فيما فلسفة أرسطو تدعو إلى التسوية والتوفيق بين مبادئ الديمقراطية ومبادئ الارستقراطية.
وكل سياسة ترتكز على نظام واحد فقط تفضي إلى الاضطراب وانعدام الاستقرار والعنف. أما الإسلام، وبالعودة إلى التاريخ الإسلامي، فنجد أن النبي محمد (ص) استخدم اللاعنف في حلف الفضول وفي دستور المدينة وصلح الحديبية، وعندما فتح مكة تعامل الرسول الكريم محمد (ص)، مع المشركين باستخدامه طريقة العفو.
أما الفيلسوف الفارابي فإن السياسة عنده لا تقترن بالضرورة بالعنف، ففي المدينة الفاضلة يسود العقل الكامل والقيم المُثلى. بينما يعتقد ابن خلدون أن العنف نزعة طبيعية وسببهُ هو العصبية، والعنف يكون مطلقاً أو إضافياً. كذلك اهتم المفكرون والفلاسفة الأوروبيون بدراسة العنف بصورة مفصلة.
ووضعوا لذلك نظريات علمية عالجت إشكالية العنف من جوانبها الفلسفية والاجتماعية والنفسية والسياسية. وفي مقدمة تلك النظريات «نظريات العقد الاجتماعي» كما يراها: توماس هوبز( 1588- 1679 )، الذي تأثر بنظرية المنفعة، وهي نظرية تبريرية..
وجون لوك ( 1632- 1704)، الذي يعتبر أن حق الملكية هو حق طبيعي للإنسان يقوم على العمل وليس على الحيازة، وجون ستيوارت مل وجان جاك روسو( 1712- 1778 )، الذي أكد في كتابه «العقد الاجتماعي» على حرية الإنسان الطبيعية التي يتنازل عنها للآخرين من أجل الحفاظ على حريته نفسها.
وتشارلز مونتسكيو (1689- 1755 )، وهو أول من أدخل فكرة اجتماعية القوانين إلى العلوم الاجتماعية في كتابه «روح القوانين»، الذي رأى فيه أن القوانين هي أساس تنظيم المجتمع وتوزيع الحقوق والواجبات على الأفراد..
وكارل ماركس الذي أكد دور العنف في التاريخ، لأن تاريخ أي مجتمع هو تاريخ الصراع، أي الصراع بين الطبقات.. بين المُضطهد والمُضطهد وهو من يحرك التاريخ. كما يذكر المؤلف نظريات: ماوتسي تونغ، جورج زمل، ماكس فيبر، سيغموند فرويد، إريك فروم، جاك لاكان، فالتر بنيامين، حنة أرندت، هربرت ماركوز، يوغان هابرماس، جان بول سارتر، فرانز فانون، ميشيل فوكو.
وعن علاقة المثقف والأديب بالعنف، يورد الكاتب الحيدري قول شكسبير في مسرحية «مكبث»، وهو أول مسرحي ومثقف فطن قبل غيره إلى العلاقة الملتبسة بين القاتل والضحية، التي يقول فيها: «الدم يُورث الدم»، حيث يتكرر مشهد الدم المسفوح ويفقد طاقته على الإثارة. كما يتساءل أيضاً على لسان الملك لير: وهل من سبب ما في الطبيعة يجعل هذه القلوب قاسية؟
ويجيب عن هذا السؤال أوسكار وايلد قائلاً: «المنظر المتكرر لا يثير الانتباه» لأن الناس تتواطأ عليه فتألفه، كالعنف المضاد والعنف العرقي والعنف الديني والعنف المقدس والعنف المؤسس والعنف الجنسي والعنف الرمزي.
ويخلص المؤلف إلى أن العنف هو بالدرجة الأولى صنيعة من صنائع المجتمع، ويتمثل نموذج منه بالأسرة التي تنشئ أولادها تنشئة اجتماعية قائمة على العدوانية والتسلط والقمع، وخاصة تسلط النظام الأبوي البطريكي- الذكوري الذي يخلق أشخاصاً يميلون إلى التسلط والقمع والتغلُب أو أشخاصاً يميلون إلى الخضوع والعجز والاتكال على الآخرين.
والمدرسة التي لا تربي التلاميذ وتعلمهم الحرية والاستقلالية والمعرفة التقنية العملية، ولا تزرع فيهم روح النقد والتفاهم والحوار والتسامح والإبداع، كما أن الجامع والمعبد والمؤسسات الدينية والثقافية الأخرى، التي تحض على العنف وتحرض على العدوان وكراهية الآخر المختلف اجتماعياً أو إثنياً أو دينياً. وكذلك السلطة التي لا تحترم المواطنة ولا تقوم بتوزيع الحقوق والواجبات بين المواطنين بصورة عادلة ومتساوية. كل هذه العوامل تلعب دوراً في خلق العنف.