فلسفة الأنوار . ف. فولغين
فلسفة الأنوار
تأليف : ف. فولغين
دار الطليعة و رابطة العقلانيين العرب – بيروت 2006 | 415 صفحة | 9.43 م . ب
يقسم فولغين الكتاب على ستة فصول :
الفصل الأول : مؤسسو الإيديولوجية البورجوازية، فولتير ومونتسيكو .
الفصل الثاني : الاقتصاديون، الفيزيوقراطيون، تورغو، نيكر.
الفصل الثالث : الموسوعيون، ديدرو، دولباخ، هلفسيوس .
الفصل الرابع : الديموقراطيون والمساواتيون، روسو، لنغيه، بريسو، مارا .
الفصل الخامس : النظريات الاشتراكية والمشاريع التعاونية، مسلييه، مورلي.
الفصل السادس : عشية الثورة، الكتابات الصحفية والجذرية السياسية.
في بداية القرن الثامن عشر كان النظام الاجتماعي في فرنسا يجمع بين عناصر من النظام الإقطاعي البالي، والمسيطر في نفس الوقت وبين عناصر من البنية البرجوازية التي كانت قد نجحت في ترسيخ جذورها. كان النظام السائد يدعم التوجهات الرأسمالية ولكن دائما في الحدود التي لا تمس مصالح الطبقات المسيطرة من إقطاعيين ورجال دين إلا أن تطور الرأسمالية أدى إلى تولد وعي عند الطبقة البرجوازية خصوصا بإعاقة النظام ومخلفات الإقطاع لمصالحها مما أدى بها باستمرار للضغط من أجل إزالة هذه القيود التي تساقطت تباعا وصولا إلى القيد الأكبر المتمثل في السلطة المستبدة المتمثلة في تحالف الإقطاعيين ورجال الدين تحت مظلة الملك.
فولتير هو كما يرى فولغين الوجه المركزي، الوجه المحوري لهذه الحقبة الفريدة والبارزة من تاريخ البشرية، حقبة الأنوار. القضية الأساسية في فكر فولتير هي حربه مع الكنيسة، يقول فولغين “احتلت حرب فولتير على الأباطيل والخرافات والأحكام المسبقة المرتبطة بالدين والتي كانت موضع رعاية واعتناء فائقين من قبل الكنيسة، مكان الصدارة في نشاطه الفكري والتثقيفي الجديد. لقد كانت الفلسفة العدو الرئيسي في نظر فولتير، لا لأن الأباطيل والأحكام المسبقة الدينية هي الأكثر تنافيا مع العقل السليم، والأوسع انتشارا والأعمق جذورا فحسب، بل لأنها أيضا تتسبب في توليد أكثر المصائب الاجتماعية خطورة وفي تقديم تبرير لها. ولئن أعطى فولتير تحرير العقول والضمائر من الأحكام المسبقة تلك الأهمية الفائقة، فلأن هذا التحرير يفسح في المجال أمام فهم صحيح للكون، وأيضا وعلى الأخص لأنه يشكّل ضمانة لإعادة تنظيم العلاقات الاجتماعية وفقا لمبادئ العقل “.
يضع فولغين مونتسكيو كثاني المؤسسين لأيديولوجيا الثورة البرجوازية باعتباره المفكر السياسي الأكثر هيبة ونفوذا في دوائر المعارضة البرجوازية في القرن الثامن عشر في فرنسا. ويعتبره الفكر الدستوري الفرنسي مؤسسه . وقد لعب كتاب مونتسكيو “روح الشرائع”دورا بالغ الأهمية في نشر الأفكار الدستورية المعتدلة والترويج لها في أوساط الفرنسيين.
كان الحراك السابق والمؤدي للثورة شاملا ففي المجال الاقتصادي ومع تطور الاقتصاد في فرنسا وتعارضه مع العلاقات الإقطاعية السائدة، ظهرت الكثير من الأفكار الاقتصادية أهمها ما عرف بالفيزيوقراطيين الذين هم جماعة من علماء الاقتصاد الفرنسيين المتأثرين بحركة التنوير في النصف الثاني من القرن الثامن عشر. اعتمد نظرياتهم على (حكم الطبيعة ومنه اشتق اسمهم)، وعلى نظريات نيوتن والنموذج الميكانيكي الذي وصفه لحركة الأجسام. وحاولوا تطبيق القوانين الطبيعية على النشاط الإنتاجي والاقتصادي وتوزيع السلع والخدمات في المجتمع، وبخاصة في القطاعين الزراعي والتجاري. يأخذ فولغين على المفكرين الاقتصاديين أنهم لم يصلوا إلى فكرة إلغاء الملكية الخاصة بحكم ارتباطهم بمصالح الطبقة البرجوازية.
الموسوعيون : دالمبير وديدروالذي يعتبره فولغين أعظم فيلسوف مادي في القرن الثامن عشر. يحضرون كواحدة من أهم الحركات الفكرية التي مهّدت للثورة من خلال نقدها المباشر والصريح للسائد والمستقر وللسلطات القائمة سلطة الاستبداد السياسي وسلطة الاستبداد الديني انطلاقا من نظرية الحق الطبيعي، النظرية التي سادت في القرن الثامن عشر وهي تقوم على أن الطبيعة البشرية هي مصدر القوانين وليست هناك حاجة لمصادر أخرى. كان ديدرو من أكثر مجايليه صراحة ومباشرة في نقد هذه السلطات وعلى كل الأصعدة. يرى فولغين أن ديدرو كان متعاطفا مع المثل الأعلى الاشتراكي ومعاديا لمبدأ الملكية الخاصة.
جان جاك روسو أحد أهم أعلام التنوير في القرن الثامن عشر يضعه فولغين ضمن مجموعة الديموقراطيين والمساواتيين. هذه المجموعة التي خرجت كما يرى فولغين كتعبير عن ألم الفلاحين وشرائح البرجوازيين الصغرى الذين تأثروا كثيرا من التطور الرأسمالي. لم يكن الحل بالطبع يكمن في العودة إلى النظام الإقطاعي بل في الديموقراطية والمساواة. ولذا يجعل فولغين كتاب روسو “مقال في أصل اللامساواة بين البشر وفي أسسها”مفتاحا لفهم هذه الرؤية. الثورة على الحكم الاستبدادي عند روسو لا تقل شرعية عن السلطان الذي ادعاه هذا الحكم لنفسه كونه يحكم بالقوّة فحسب والقوّة وحدها كفيلة بالإطاحة به. الاستبداد عند روسو يفسخ العقد الاجتماعي. “العقد الاجتماعي”كتاب روسو الذي تحول إلى إنجيل للديموقراطيين الثوريين في ثورة 1789مما أدى بجوزيف لاكانال أن يقول “أن الثورة هي التي تولت، بنوع ما، شرح العقد الاجتماعي “. ولكن ماذا يقول العقد الاجتماعي ؟ إنه يقول باختصار وتركيز شديدين “أن يضع كل واحد منّا شخصه وكامل طاقته تحت الإمرة العليا للمشيئة العامة، ويعامل كل عضو على أنه جزء لا يتجزأ من الكل “.
التيار الاشتراكي هو الآخر تطور في القرن الثامن عشر وإن بقي طوباويا واعتمدت في نفس الوقت على الصيغ والمبادئ السائدة التي رسمها الفكر البرجوازي في عصره. كان هذا بسبب أن البروليتاريا لم تكن تكوّنت بعد كطبقة ولم تدلل بعد على أي استقلال تاريخي ولم تصدر عنها بعد أي حركة سياسية خاصة بها. أبرز ممثلي هذا التيار هم : مسلييه ومورلّي ومابلي ودون ديشان.