النظام القديم والثورة الفرنسية . أليكسى دو توكڤيل
النظام القديم والثورة الفرنسية
أليكسى دو توكڤيل
المركز القومى للترجمة - القاهرة 2010 | 535 صفحة | 7.92 م . ب
يرسم توكفيل، في هذا الكتاب، لوحة نابضة بالحياة للمجتمع الفرنسيّ، في فترة النظام القديم أى السابق لثورة 1789 الفرنسية العظمى، فيما كان يتحوَّل بعمق من نظام اجتماعيّ إلى نظام اجتماعيّ آخر، وهو يحدد بوضوح طابع هذا التحوُّل ومنطقه وديناميته ومغزاه. هنا يُبرهِن توكفيل أن ذلك " النظام القديم" ( فترة الحكم الملكيّ المطلق بوجه عام) يمثل الثورة البرجوازية الأولى ( الاجتماعية) التي كانت ستندفع تاريخيًّا في طريق المستقبل الرأسمالي حتى بدون ثورة 1879. على أنه يبحث الشروط الاجتماعية- الاقتصادية لفرنسا، وكذلك شروطها الفكرية والفلسفية والأدبية وأحلامها بالمساواة والحرية، تلك الشروط التي جعلت تلك الثورة السياسية تعصف بفرنسا والعالم والتاريخ، بدورها التقدُّميّ المتمثل في رفع فرنسا وأوروبا إلى الحضارة الرأسمالية ولكن حطمت أحلام المساواة والحرية، وقادت فرنسا على طريق الإمبراطورية والاستبداد والاستعباد.
ويتألف الكتاب من ثلاثة أقسام: يتناول القسم الأول طبيعة الثورة، ويدرس القسم الثانى بفصوله الاثنى عشر الوقائع "المادية" لهذا "النظام القديم"، على حين يبحث القسم الثالث مسألة لماذا حدثت الثورة فى فرنسا دون غيرها من بلدان أوروپا الغربية.
ويطرح توكڤيل أسئلة ملحَّة متكررة متواصلة تناولها فى القسم الأول من الكتاب بفصوله القصيرة الخمسة، وهذه الأسئلة هى: "ماذا كان الموضوع الحقيقى للثورة؟ وما هى طبيعتها الخاصة فى نهاية المطاف؟ ولماذا على وجه التحديد تم القيام بها؟ وماذا حققتْ؟". وهو يفند الأحكام المتناقضة عن الثورة مُبَيِّنًا أن موضوعها لم يكن تدمير السلطة الدينية المسيحية ولا إضعاف السلطة السياسية وأنها كانت ثورة سياسية وإنما اتخذتْ مظهر الثورات الدينية بحكم طابعها الفكرىّ العالمىّ وتبشيرها بمبادئ تنسجم مع روح العصر، أما ما حققتْه الثورة الفرنسية بالفعل فقد تمثل فى كونها تكملة لعمل طويل سابق عليها وبدونها كان يمكن أنْ يتحقق هذا العمل ذاته بصورة تراكمية تدريجية طويلة لاحقة لما كان النظام القديم قد أنجزه بالفعل: "ومهما كانت الثورة جذرية فإنها مع ذلك جدَّدَتْ أقلّ كثيرا مما يُفترض عادة: [......]. وما يصحّ قوله عنها هو أنها دمَّرتْ بالكامل أو بسبيلها إلى أنْ تدمِّر (ذلك أنها ما زالت مستمرة) كل ما كان يتفرَّع، فى النظام القديم، عن المؤسسات الأريستقراطية والإقطاعية، كل ما كان يرتبط بها بطريقة ما، كل ما كان يحمل منها، بأية درجة كانت، أدنى سمة. وهى لم تحتفظ من العالم القديم إلا بكل ما كان دائما غريبا على هذه المؤسسات أو استطاع أنْ يوجد بدونها. والحقيقة أن الثورة لا يمكن وصفها أبدا بأنها حدث عرضىّ. وصحيح أن الثورة أخذتْ العالم على غِرَّة ومع ذلك فإنها لم تكن سوى تكملة لعمل أطول، النهاية المفاجئة والعنيفة لعمل ظلت تمارسه قبل ذلك على مدى عشرة أجيال من البشر. ولو لم تقع الثورة ما كان لذلك أنْ يمنع انهيار النظام الاجتماعى الهَرِم، هنا أسرع، وهنا أبطأ؛ كل ما فى الأمر أنه كان سيواصل الانهيار قطعة قطعة بدلا من التداعى دفعة واحدة. والحقيقة أن الثورة حققت على نحو مباغت، عن طريق محاولة مفاجئة ومؤلمة، وبدون انتقال، وبدون تحفُّظ، وبدون احتياط، ماكان سيتحقق قليلا قليلا من تلقاء نفسه فى الأمد الطويل. وكان ذلك هو العمل الذى حققتْه".
ويدرس القسم الثانى من الأقسام الثلاثة لهذا الكتاب، وهو القسم الأكبر بفصوله الاثنى عشر وهو بالذات المخصَّص لدراسة الوقائع "المادية" لهذا "النظام القديم"، وسيجد القارئ فى تلك الفصول شرحا معمَّقا لطبيعة "النظام القديم" الذى تمثلتْ الرسالة التاريخية للثورة فى تحريره من القيود والأغلال المَلَكِيَّة والإقطاعية والقروسطية لكىْ يندفع كمجتمع رأسمالىّ، بلا نعوت أخرى، كما يُقال، إلى الأمام. ويركز هذا القسم الثانى والرئيسىّ من كتاب توكڤيل على المجتمع الفرنسىّ الأقدم فى سبيل استكشاف الاختلاف بين الأحداث فى فرنسا والتطور العام لأوروپا، ويبحث أصول الثورة الفرنسية خاصة فى أوروپا، وتشتمل الفصول الاثنى عشر للقسم الثانى على 6 فصول (2-7) تركِّز على تحليل المركزة الإدارية باعتبارها السمة المميِّزة للنظام القديم، و 4 فصول (8-11) تركِّز على نتائج هذه الظاهرة على حالة المجتمع، على حين يبحث الفصل الأول الحقوق الإقطاعية فى فرنسا فى ذلك الزمن، ويبحث الفصل الأخير (12) تدهور حالة الفلاحين خلال القرن الثامن عشر كاشفا مدى التَّوْق إلى الخروج من هذا البؤس إلى العدالة والمساواة والحرية. والحقيقة أن النظام القديم، عند توكڤيل، لا يعنى حالة اجتماعية بل أزمة حالة اجتماعية، ليس المجتمع الإقطاعىّ أو الأريستقراطىّ القديم بل فترة متأخرة لهذا المجتمع عندما صار ممزَّقا بالمبادئ المتناقضة، وانفصال النظام المدنىّ عن النظام السياسىّ، واللامساواة المدنية (بقايا الإقطاع أو ما أعادت الأريستقراطية اختراعه)، والمساواة السياسية (تَساوِى الجميع فى الخضوع للملك). وعلى هذا الأساس كانت فرنسا هى التى اندلعتْ فيها الثورة لأنها كانت قد بدأتْ فيها بالفعل، مختفية وراء اسم "النظام القديم"، أىْ أن "النظام القديم" كان يمثل الثورة الأولى قبل الثورة، ويطبق توكڤيل تسمية "النظام القديم" على فترة الحكم المطلق أىْ المركزة الإدارية، ويعنى هذا أن الصيغة الثورية كان لها واقع تاريخىّ على مدى فترة قصيرة نسبيا فقط، تمتدّ من عهد لويس الثالث عشر (ملك فرنسا: 1610-1643) إلى عهد لويس السادس عشر (ملك فرنسا: 1774-1791)، أىْ على مدى أكثر من قرن.