الأمن الاجتماعي في الإسلام دراسة مقارنة - pdf
الأمن الاجتماعي في الإسلام دراسة مقارنة
لعل من أهم القضايا التي أصّل فيها القرآن وفصّل، هي القضايا الاجتماعية؛ بدءا بشؤون الفرد وهو في بطن أمه، بل قبل ذلك باختيار أمه، وانتهاء بموته من حيث كونه فردا. وكذلك شؤون المجتمع كله؛ في نظامه وعلاقاته وحقوقه العامة وحقوق أفراده. كل ذلك وفق منهج حكيم دقيق رعاه رب العزة سبحانه، وهو الأعلم بما يصلح لهذا الإنسان، الخبير بما في نفسه وطبيعة ميوله وهواه "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"(الملك، الآية 14).
ولا يقل الأمن الاجتماعي أهمية عن غيره من أنواع الأمن؛ الاقتصادي والسياسي والعسكري وغيرها، فهو ضروري لكل واحد منا، أبا وأما وزوجا وابنا وبنتا، جيرانا وأقارب ونسبا ومصاهرة. له علاقة بالأخلاق والقيم، وهو السبب في الرخاء الحقيقي والأمن الحقيقي الشامل. فحين تكون الأسرة متفاهمة، يعيش أفرادها في بيئة سليمة آمنة، وهنا يكون الإبداع والتألق والعطاء. أما حين يتهددها القلق والنزاع، فلن تكون مخرجاتها إلا سلبية، تنعكس بالتالي على باقي المجتمع؛ حين تفسد الأخلاق وتنتقل عدوى الفساد الأخلاقي والفاحشة، لتنتشر بين الأفراد، وتؤدي إلى الخيانة الزوجية، أو الشك بين الأزواج، ومن ثم يحصل الطلاق أو الفراق، ويتحول المجتمع إلى ساحة نزاع وصراع، بدل أن يكون مجتمع أمان واستقرار.
ولا أحسب أنواع الأمن الأخرى متحققة بدون الأمن الاجتماعي. فأنواع الجريمة، في غالبها، ناتجة عن أفراد سيئي السلوك، ممن تأثروا ببيئة اجتماعية سلبية. ولو بحثنا في عمق شؤونهم، لوجدنا أنهم مضطربون، يعانون من مشكلات متنوعة. وكذلك الأمن الاقتصادي؛ فهو مرتكز على القيم الأخلاقية قبل أن تكون مشكلة فقر وحاجة. فالعفة هي التي ساعدت على الرخاء الاقتصادي في كل زمن كان فيه المسلمون متفوقين. وما جرى زمن الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، في مدة عامين، لم يكن رخاء اقتصاديا فقط بدون بنية إيمانية وعفة وأخلاق واستقرار بين أفراد المجتمع. حينها كان للزكاة دور ريادي في قوة المجتمع وانطلاقه بطمأنينة نحو تأسيس معالم حضارية لم تخطر على بال أحد من المسلمين، وشاع الوقف الإسلامي بصورة تنافسية بين الأفراد.