كتاب مهزلة العقل البشري الدكتور علي الوردي PDF
تحميل كتاب مهزلة العقل البشري PDF
كتبت هذا الكتاب فصولا متفرقة في أوقات شتى وذلك بسبب صدور كتابي الأخير ( وعاظ السلاطين ) . وهذه الفصول ليست في موضوع واحد .
وقد يؤلف بينها أنها كتبت تحت تأثير الضجة التي قامت حول كتابي الأخير وأحسب أنها سترضي قوما وتغضب أخرين . ولست اريد أن يرضى عني جميع الناس فرضا الناس غاية لا تنال كما قيل في المثل القديم .
حسبي أن أفتح الباب للقراء لكي يبحثوا ويتناقشوا والحقيقة هي في الواقع بنت البحث والمناقشة .
لقد ألفت خمسة كتب في الرد على كتاب وعاظ السلاطين وذلك عدا المقالات وقد قرأت هذه الكتب والمقالات بإمعان ولعلني أعدت قراءة بعضها أحيانا ويحتم علي الواجب أن أشكر أصحابها على من تجشموا من عناء البحث والتأليف . هذا ولكني لا أكتم القارئ أني وجدت فيها نمطا في التفكير لا استسيغه فهم يكتبون بواد و أنا أكتب بواد اخر .
ولست أدعي أني أصح منهم فكرا فالحكم في هذا أمر صعب وليس لدينا مقياس عام يقبل به الجميع لنحتكم إليه والمستقبل هو الذي سيكشف عن مبلغ الصواب في تفكير كل فريق فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض .
ان الذي استطيع أن أقوله هو أنهم يكتبون على نمط ما كان يكتبه ان هذا الدليل الذي جاءوا به واه من أساسه وهو لا يجديهم في جدلهم شيئافأنا لم أقل بأن الإنحراف الجنسي معدوم في البلاد التي لا حجاب فيها لإنما قلت بأن نسبته تقل في تلك البلاد وهذا أمر بحثه العلماء ووصلوا فيه الى نتائج تكاد تكون قاطعة .
ان الانحراف الجنسي لا يمكن التخلص منه في أي مجتمع مهما كان .
يقول الاستاذ هافلوك إلس المختص بالأبحاث الجنسية أن هناك اثنين بالمئة من الناس مصابون بالانحراف الجنسي طبيعة لا إكتسابا وسبب ذلك راجع الى وجود نقص في تكوينهم البيولوجي فهم ميالون الى الانحراف الجنسي من تلقاء أنفسهم حتى لو أحيطوا بالحسان الكواعب منذ صباهم الباكر .
وهؤلاء لا علاج لهم على أي حال يقال أن أحد الجراحين في الدنمارك إستطاع أن يعالجهم بتحويلهم إناث . ولكن هذه الطريقة لم تلق رواجا وقج منعت الحكومة استعمالها هنالك ولعل العلم سيكشف طريقة أنجح من هذه في يوم من الأيام ومهما يكن الحال فالباحثون الاجتماعيون لا يهتمون بهؤلاء بقدر اهتمامهم بأولئك الذين يكتسبون إنحرافهم الجنسي بتأثير ظروفهم الإجتماعية وقد وجد الباحثون أن نسبة الانحراف تقل وتكثر تبعا لوجود عوامل متنوعة منها الحجاب الذي ذكرناه .
ودلت الإحصاءات أن نسبة الانحراف الجنسي تزداد بين البحارة والجنود والمساجين وفي كل مجتمع يخلو من النساء أو تتحجب النساء فيه فالرجل الذي لا يرى امرأة بقربه مدة طويلة يجد نفسه مدفوعا الى عشق الغلمان الذين يشبهون النساء قليلا او كثيرا .
انه يريد التعويض بالغام عن المرأة التي فارقها وهو بهذا يختلف عن ذلك المنحرف الطبيعي الذي لا يشتهي التعويض على أي حال .
ان المنحرف الذي يكتسب انحرافه من محيطه يميل الى الغلام الناعم البض الذي يشبه المرأة في تكوين بدنه أو ملامح وجهه . أما المنحرف الطبيعي فهو يميل الى الرجل العملاق الخشن الذي تتوافر فيه معالم الرجوله انه بمعنى اخر : أنثى بصورة ذكر .
ونحن لو درسنا طبيعة الانحراف الجنسي المنتشر في البلاد المتحجبة لوجدنا فيه بعض معالم الاكتساب والميل الى التعويض في الغالب . وأرجو أن لا ينسى القارئ ذلك الوضع المزري الذي مر به العراق في العهد العثماني عندما كان الحجاب شديد الوطأة على المجتمع حتى صار عشق الغلمان من المفاخر التي يتباهى بها كثير من الرجال ولا تزال أثار ذلك باقية حتى يومنا هذا . والانحراف الجنسي موجود اليوم بأبشع صورة في سواحل الخليج الفارسي في جهتيه الايرانية والعربية وتعد مسقط مركز هذا الانحراف وهناك يجوز لرجل أن يتزوج رجلا أخر ويعاشره معاشرة الأزواج ويقال عن الرجل المزفوف أنه ( إنستر ) .
وهذ العادة بدأت في الخليج الفارسي على يد البرتغاليين الذين سيطروا على هذا الخليج في القرن السادس عشر ودعم هذه العادة استفحال الحجاب الموجود هنالك . وكان البرتغاليون حين سيطروا على الخليج الفارسي من أكثر خلق الله لواطا وسبب ذلك أنهم كانوا بحارة يقضون في البحر زمنا طويلا على سفنهم القديمة والمسافة بين الخليج والبرتغال شاسعه حيث كانوا يقطعونها في ذلك الحين عن طريق رأس الرجاء الصالح في شهور عدة .
والبحارة بوجه عام ميالون الى الانحارف الجنسي وذلك لطول المدة التي يفارقون بها المرأة وهم على ظهور السفن والأماكن التي يرتادها البحارة في عصرنا هذا لا تخلو من هذه الظاهرة . وقد انتشر اللواط في ألمانيا قبل العهد الهتلري ويبدو أن التقاليد البروسية العسكرية ساعدت على نشره هنالك فالمحاربون الذين ينقطعون عن أهلهم في الخنادق مضطرون لأخذ اللواط لهم عادة وهذا هو الذي جعل الجيوش في الحرب العالمية الثانية تصطحب مجندات من الجنس اللطيف فتمنع جنودها بذلك من التطلع الى الغلمان بينهم . وانتشر اللواط بين أولى المراتب العالية في الدولة العثمانية البائدة وربما نشأ هذا فيهم من تقاليدهم العسكرية القديمة وكثير منهم كانوا في صباهم من المماليك حيث كانت الدولة تشتريهم من أهاليهم غلمانا صغارا فتضعهم في مدارس داخلية ليتعلموا فيها الفنون العسكرية . ولعلهم كانوا يتعلمون أثناء ذلك فنون الانحراف الجنسي أيضا . وصارت الابنة أمرا مألوفا بين رجال الدولة في ذلك العهد حتى أطلق عليها مرض الأكابر ولا يزال مرض الأكابر هذا مألوفا بين باشوات مصر الذي هم من أصل تركي أو كولمندي أي من أبناء المماليك .
وينتشر اللواط أيضا بين الرهبان الذين ينقطعون لعبادة ربهم في الأديرة المنعزلة وهو ينتشر كذلك بين رجال الدين اللذين يعيشون في مراكز دينية تتحجب المرأة فيها أو يقل وجودها وقد نجت بعض المراكز الدينية في ايران من هذه العادة لشيوع زواج المتعة فيها فرجل الدين هناك يشبع شهوته عن طريق المتعة وبذلك يقل تطلعه نحو الغلمان .
وخلاصة الأمر : ان الانحراف الجنسي ظاهرة اجتماعية معقدة تتدخل فيها عوامل شتى وليس من السهل أن نضع قانونا عاما . انما يصح أن نقول : بأن تتحجب المرأة وإنفصالها عن الرجل يزيدان في نسبة انتشار هذه الظاهرة بين الناس ولست أعني بهذا ان الحجاب يخلق الانحراف أو يوجده من العدم كما ظن الذين نقدوا كتابي الاخير .
وهنا يجب أن نلتفت إلى ناحية غفل عنها إخواننا من أرباب التفكير القديم . فهم يدرسون الظواهر الاجتماعية على أساس التعارض بين الوجود والعدم فيها . وهذا هو ما يعرف عندهم بقانون ((الوسط المرفوع)) والباحثون المحدثون لا يؤمنون بهذا القانون .