كتاب الأنثروبولوجيا في الوطن العربي PDF
تحميل كتاب الأنثروبولوجيا في الوطن العربي PDF
أ. د. أبو بكر باقادر. د. حسن رشيق
تحميل كتاب الأنثروبولوجيا في الوطن العربي PDF
مقدمة عامة :
الدراسات الأنثربولوجية والعالم العربي
أ. د. أبو بكر باقادر
تسعى في هذا البحث إلى تقديم مسح تحليلي موجز عن الدراسات الأنثربولوجية التي تناولت موضوعات ودراسات تركزت «جغرافيا» في مشرق العالم العربي، وخصصنا هذه الدراسات بأن تكون في ميدان ما يعرف «بالدراسات الأنثربولوجية» [1]، مع أن المنطقة المحددة بالدراسة تحظى أيضاً بدراسات تاريخية وجغرافية وأخرى من مختصين في العلوم الاجتماعية الحديثة (علوم سياسية، اقتصاد...)، وكذلك تحظى بتغطيات صحافية وانطباعات رجالة وسواهم.
وهذه الأدبيات تسهم دون شك بشكل أو آخر في الدراسات «الأنثربولوجية» المتخصصة، لكننا سنسعي جهدنا للتركيز على هذه الدراسات، مع الإشارة أحياناً إلى الأدبيات الأخرى التي جئنا على ذكرها [2].
كذلك سنقدم - على الأقل هنا – ما يتعلق بالدراسات التي تتناول منطقة المشرق العربي: بلاد الشام والعراق ودول شبه الجزيرة العربية ودول وادي النيل فقط، ورغم توافر دراسات عديدة لمنطقة شمال إفريقيا إلا أن هذه الدراسات لن تكون داخلة في إطار مراجعتنا هذه. وانطلاقاً مما ذكرنا فإننا سنبدأ أولاً بتحديد المقصود بالأنثربولوجيا والدراسة الأنثربولوجية التي تشكل إطاراً أولياً لما سنقوم به.
مصطلح أنثربولوجيا هو مصطلح منحوت من الكلمتين Anthroposs (أي إنسان) و «Logos» (أي علم)، ومن ثم فهو علم الإنسان، ويقصد إذن علم دراسة الإنسان طبيعياً واجتماعياً وحضارياً. وتؤكد المدرسة البريطانية وجود فرعين - على الأقل – لهذا العلم: الأنثربولوجيا الطبيعية والأنتربولوجيا الاجتماعية، والأخيرة عند الأمريكيين تهتم بما عرف بالأنثربولوجيا الثقافية، ويهتم المختصون في هذا العلم - بالإضافة إلى ذلك – بعلم اللغات والآثار، وأبعاد عديدة في حياة المجتمع- ومجال الأنثربولوجيا الثقافية واسع، يشمل «دراسة مخترعات الشعوب البدائية وأدواتها وأجهزتها وأسلحتها، وطرز مساكنها، وأنواع الألبسة التي تلبسها، والريئة التي تستعملها، وفنونها وآدابها وقصصها وخرافاتها، فهي إذن تدرس الإنتاج الروحي والمادي للشعب المدروس، كما تدرس الاستعارة الحضارية والتطور الحضاري والتغير الاجتماعي في تلك الشعوب. وتدرس أصول الحضارة وتنوعها وانتشارها» [3]
ونقصد بالدراسة الأنثربولوجية تلك الدراسات التي ينجزها محترفون تخصصوا في علم الإنسان وتدربوا على العمل الميداني داخل ثقافات من قاموا بدراستهم ومجتمعاتهم، وذلك ضمن برامج أكاديمية أشرفت على دراساتهم، نحن تكون بذلك استعدنا عديد الدراسات التي قام بها رحالة وفصوليون كتبوا حول موضوعات ذات صلة بما تهتم به الأنثربولوجيا، لكنهم لم يلزموا أنفسهم بالشروط والمتطلبات «الأكاديمية» التي يلزم المختصون أنفسهم بها وتشرف على تفيدهم بها الأكاديميات والأوساط «العلمية».
كذلك نقصد بالدراسة الأنثربولوجية تلك الدراسات التي تستخدم النظريات والمصطلحات العلمية أو الفنية التي تميز بها هذا الحقل «العلمي». وغالبا ما تندرج هذه الدراسات - التي سنشير إلى بعضها هنا ضمن المناقشات العلمية والنظريات السائدة، وكذلك الأسئلة والأطروحات التي تشغل اهتمام الدارسين في هذا المجال العلمي مي [4]
ومع أن مجال الدراسات الأنثربولوجية واسع، فإننا سنسعى إلى تقديم إشارات سريعة وموجزة لما تراكم من معرفة ودراسات في جميع مجالات اهتمامات الأنثربولوجيا، على أن تركيزنا - مع ذلك - سيكون على الدراسات الاجتماعية والثقافية بشكل أكبر.
وفي هذا الإطار علينا الإشارة إلى أن الاهتمام الأنثربولوجي بالعالم العربي - كمنطقة دراسة – أصبح نشطأ في العقود الأخيرة لأسباب عديدة، سنأتي على ذكر بعضها لاحقاً، إذ بالمقارنة بالاهتمامات الميدانية الأنثربولوجية بإفريقيا ومنطقة الباسيفيكي وأجزاء من جنوب شرق آسيا والعالم الجديد في أمريكا، تعد الدراسات الأنثربولوجية في العالم العربي محدودة جداً، بل ربما من المقبول الادعاء أن اهتمامات الدارسين الغربيين كانت محصورة في دراسة المجتمعات البدائية» البسيطة والمعزولة في العالم، وقصر مفهوم الدراسات الأنثربولوجية عليها، وجعلت الدراسات السوسيولوجية مقصورة على المجتمعات الغربية، أما المجتمعات التي لها بنية معقدة التركيب فإنها لا تدخل ضمن اهتمامات الدارسين. صحيح أن هناك بعض الدراسات أهتمت من منطلقات «استراتيجية» أو «الخدمة الإدارات الاستعمارية» بدراسة هذه المجتمعات، لكنها مع ذلك كانت غير مؤثرة في إطار البحث العلمي العام [5]
لكن الأنثربولوجيا منذ خمسينيات القرن العشرين، بعد انتهاء حقبة الاستعمار والإدارة المباشرة لبعض الدول الغربية لمقدرات العديد من الشعوب وقع تحول عن تركيز الاهتمام بالمهمشين و«البدائيين» والمعزولين أو المختلفين عن العالم الغربي، وبدء دراسات أنثربولوجية، تستخدم المناهج والمصطلحات نفسها الدراسة ظواهر إنسانية بدلاً من دراسة مجتمعات مستعمرة بعينها، وكذلك التوسع في دراسة ما عرف بدراسة المناطق area studies كمجال لاهتمام المختصين في هذا الحقل العلمي، ومن بين المناطق التي درسها هؤلاء العالم العربي [6]
ونجد عند بعض علماء الأنثربولوجيا جدلاً ونقاشات حول مفهوم العالم العربي بوصفه «منطقة ثقافية» معينة، إذ يدور الاختلاف حول وجود خصائص وسمات ثقافية يمكن اعتبارها تشكل مركباً ثقافياً – بالمعنى العام للمصطلح – يبرر للدارسين اعتبار هذه المنطقة الجغرافية كتلة أو وحدة ثقافية يمكن التعميم عنها من خلال بعض الدراسات التي يقومون بها، ولعل ما قدمه كون في كتابه «القافلة» يجسد واحدة من هذه المناقشات؛ فهو يرى أن منطقة «الشرق الأوسط» تشكل جغرافياً منطقة، لكن هذه المنطقة تزخر بالعديد من التيارات والمجموعات الثقافية عبر تاريخها بشكل منفصل بعضها عن بعض، فيما أسماه بالفسيفساء الثقافية والاجتماعية، مما قد يصعب دراستها بوصفها منطقة ثقافية. على أن آراء كون لم تلق قبولاً في أوساط الدارسين، كما سنذكر ذلك لاحقاً [7].