تحميل كتاب منهجية علم الاجتماع الماركسية والوظيفية والبنيوية د. أحمد القصير PDF
كتاب منهجية علم الاجتماع الماركسية والوظيفية والبنيوية د. أحمد القصير
الطبعة الأولى 1985: الهيئة المصرية العامة للكتاب.
الطبعة الثانية 2006: داني العالم الثالث.
الطبعة الثالثة 2012: الهيئة المصرية العامة للكتاب.
الطبعة الأولى 1985: الهيئة المصرية العامة للكتاب
الطبعة الثانية 2006: داني العالم الثالث
الطبعة الثالثة 2012: الهيئة المصرية العامة للكتاب.
مقدمة
ظلت الدراسات الاجتماعية في مصر تهتم، لفترة طويلة، بالجوانب التطبيقية.
وإذا كانت هذه الدراسات قد أسهمت في تجميع القدر الكبير من المعطيات الواقعية، فإن الاستفادة الكاملـة مـن هـذه المعطيات يستلزم الإلمام الكامل بالقضايا المحوريـة والمنهجية. وفضلا عن ذلك فإن تملك ناصية التقنيات الإجرائية للبحوث الميدانية لا يتأتي إلا بربط هذه التقنيات ذاتهـا بالمبادئ المنهجية التي تمكن الباحث من وضع الأبعاد المتعددة للحياة الاجتماعية في اعتباره ومن هنا تظهر أهمية أن يزداد الارتباط بين المنطلقات المنهجية والبحـوث الميدانية في الدراسات الاجتماعية في مصر. أي ينبغي أن يتخطى علم الاجتماع في مصر مرحلة الاقتصار على مجرد وصف الواقع.
فإن معظم هذه الدراسات لا يزال يتسم بالفعل بهذه الصبغة وهي صبغة تجعل من المدرسة الفكرية لعلم الاجتماع في مصر مدرسة وصفية في المقام الأول، وإذا كنا نقول بذلك التوصيف فإنما نستند في ذلك إلى رأي أحد الرواد في مجال علم الاجتماع في مصر حينما قرر أن المدرسة الفكرية لعلم الاجتماع في مصر في المدرسة وصفية أولا وقبل كل شيء» (انظر: حسن الساعاتي، وتطور المدرسة الفكرية لعلم الاجتماع في مصر»، المجلة الاجتماعية القومية، العدد الأول).
وإذا كانت تلك السمة التي تميز هذه المدرسة قد ارتبطت بالبدايات الأولى لعلـم الاجتماع في مصر فإن توطد اركان هذا العلم في بلادنا يقتضي مواصلة التطور لهذه المدرسة الفكرية، ويتأتي هذا بالمزيد من الاهتمام بالقضايا المنهجية المحورية لعلم الاجتماع، وانطلاقا من ذلك تحدد موضوع هذه الدراسة.
وكما تبين هذه الدراسة فإن الاقتصار على وصف الواقع الاجتماعي لا يشكل سوى خطوة، بل خطوة غير كاملة، في مجال الدراسات الاجتماعية، ومن هنا حاول الباحث أن يتناول القضايا المنهجية الأساسية التي يرتبط بعضها بإيجاد علاقة بين النظرية والتطبيق. وقد جاءت الدراسة في ثلاثة أبواب تحتوي على ستة فصول. ويتناول الباب الأول المدخل المعرفي للنظرية الاجتماعية.
وجاءت المعالجة في فصلين: الأول عن الصفة النوعية المتميزة للظاهرة الاجتماعية، والتي تشير إلى ضرورة معالجتها وفق مقولات خاصة تضع في اعتبارها الخصائص النوعية لهذه الظاهرة وهي خصائص تسم أساسا بالنسبية والتاريخية.
أما الفصل الثاني فيتناول بعض القضايا المعرفية التي يرى الباحث أن تناولها يمثل مدخلا أساسيا يعين على تحديد بعض المنطلقات عند الشروع في دراسة القضايا التي يتناولها علم الاجتماع، أما الباب الثاني من هذا البحث فيتناول النظريات الاجتماعية المعاصرة وهي نظرية المادية التاريخية ونظرية التحليل الوظيفي ثم نظرية التحليل البنيوي. وإذا كانت الدراسة قد اقتصرت على هذه النظريات فذلك لأن الباحث يرى أنها تمثل المنطلقات الرئيسية السائدة في علم الاجتماع المعاصر. وينبغي أن نشير إلى أن هذا التقسيم لا يعني أن الدراسة لم تتعرض لبعض الاتجاهات النظرية الأخرى المؤثرة في علم الاجتماع. فقد تعرضت الدراسة لتلك الإتجاهات ارتباطا بالموضوعات موضع البحث. وعلى سبيل المثال فإن تقسیم فصول الدراسة لم يشتمل على جزء خاص بأوجست كونت، ومع ذلك فإن بعض منطلقاته المنهجية جرت الإشارة إليها في سياق تناول القضايا موضع البحث.
وثمة حقيقة اتضحت من خلال الدراسة، وهي تأثيرات كل من كونت ودوركايم على علم الاجتماع المعاصر. وفي هذا الصدد يتضح التأثير الشديد لهذه الشخصية الأخيرة
بالذات، وخاصة تأثيرها في كل من الوظيفية والبنيوية. ومن هنا كان دوركايم متواجدا في معظم فصول هذه الدراسة.
أما الباب الثالث من هذه الدراسة فيتناول المفهوم المحوري في علم الاجتماع وتعني بذلك مفهوم «البنية الاجتماعية».. فهذا المفهوم تتركز حوله المنطلقات المنهجية المختلفة في علم الاجتماع. ومن هنا يمكن اعتبار الفصول الخمسة الأولى بمثابة التمهيد لتناول هذا المفهوم الجوهري. ويشمل هذا الباب فصلا وخاتمة. وقد تم فيـه تنـاول المبادئ المنهجية لدراسة البنية الاجتماعية. وعرضت الخاتمـة المبادئ المنهجية
المستخلصة نتيجة تناول المعالجات الوظيفية والماركسية والبنيوية لمفهوم البنية الاجتماعية.
وقد حاولت الدراسة أن تركز في الباب الثالث على توضيح أوجه الاتفاق والاختلاف بين المبادئ المنهجية التي تطرحها كل من الوظيفية والماركسية والبنيوية.
وأوضحت دراستنا لهذه المنطلقات المنهجيـة أن المدخل الصـائب الدراسـة البنيـة الاجتماعية لا يقف عند مجرد وصف الواقع الاجتماعي. ومن هنا اتضح مدى قصور النزعة الإمبريقية التي تتبناها الوظيفية بالذات وترفضها كل من الماركسية والبنيوية وهكذا تنضح أهمية أن تنطلق البحوث الاجتماعية، لا من مجرد إطار تصوري، وإنما من مبادئ منهجية عامة تمكن الباحث من أن يعالج المواد والمعطيات الواقعية معالجة صائبة تتيح الكشف عن الواقع غير المرئي المختفي وراء مـا هـو قـابـل للملاحظة المباشرة.
لقد أوضحت هذه الدراسة أن البنية الاجتماعية لا يمكن دراستها عن طريق الملاحظة المباشرة، وأن هدف البحث العلمي ينبغي أن يتخطى ذلك للكشف عن القوانين الداخلية التي تحكم البنية الاجتماعية وتطورها، والتي لا تخضع للملاحظة المباشرة، ومن هنا تنبع أهمية الأسس المنهجية التي تنطلق من نظرة متعددة الأبعاد، ولا نقول التكامل المنهجي. فدراسة البنية الإجتماعية دراسة تتسم بالشمول، وتسير، مثلما أوضحت الدراسة، وفق منطلقات منهجية متكاملة بالفعل، ولكنها غير مرتبطة بالفكرة التي تتردد في علم الاجتماع عن «التكامل المنهجي». فليس الأمر هنا تجميع فكرة مفيدة من هنا وفكرة أخرى من هناك، كما أنه ليس مجرد اقتطاع فكرة معينة من سياق نظرية ما لنستكمل بها نظرية أخرى إذ أوضحت الدراسة أن هناك بالفعل منطلقات منهجية بشأن البنية الاجتماعية ولا يجري الإشارة إليها بشكل متكامل في الدراسات الاجتماعية، كما أن الخطوة الأولى، حسبما يرى الباحث، تتمثل في وضع هذه المنطلقات أولا موضع التحقيق وموضع المزيد من البحث ثم بعد ذلك -
فقط يمكننا أن قرى إن كنا في حاجة إلى تلك الفكرة القاتلة بالتكامل المنهجي أم لا.
لقد حاول الباحث أن يتناول في هذه الدراسة القضايا المنهجية الأساسية في علم الاجتماع. غير أن ذلك لا يعني أن هذه القضايا لا تحتاج إلى مزيد من التعمق في البحث. وثمة قضية نستخلصهاء في هذا الصدد، من التجربة الشخصية للباحث وينبغي الإشارة إليها. وتعني بذلك أن بعض الجوانب لا تتضح جيدا للباحث إلا بعد أن تتكامل دراسته في صورتها النهائية، أي بعد أن ينجز دراسته بالفعل، وبعد أن تكون خطة
البحث قد فرضت منطقها على سياق البحث. وإذا كان لهذا المنطق فائدته في توجيه الباحث فإن له أيضـا قيوده التي لا يتبينهـا المرء إلا بعد أن يكون البحث قد انتهى بالفعل، بل بعد أن يكون قد تم طبعه أيضا. غير أن هذا الأمر في حد ذاته يمثل دعوة إلى مواصلة الدراسة، والبحث، والقيام برحلة عكسية للتخلص بقدر الإمكان من تلك القيود، للانطلاق في دراسة جديدة. وهذا ما يأمل الباحث أن يسترشد به .